هل لكم أن تتصوروا صبياً في الرابعة عشر من عمره، يقوم بترويج المخدرات بين رفاقه؟
طفل يتعاطى مخدرات وهو في عمر الثانية عشر؟
أو أن يُستَغَل جنسياً لحصول مدمن في عائلته على حفنة من المخدرات؟
أسئلة كثيرة قد تراود تفكيرنا، لا نجد لها ما يبررها لفظاعة حصولها ، وقد سلطت هذه المقالة الضوء على الأسباب التي قد توصل الطفل للوقوع في هذه المأزق .
إن توفير الرعاية الكريمة للأطفال هدف عالمي ،كحال أهميته المحلية التي تستشعرها غالبية الدول والمجتمعات. وهو ما تؤكد عليه الاتفاقيات الدولية المختلفة، المهتمة بهذا الشأن. إذ إن المخدرات مسألة ارتبطت بتفكك الأسر، وبالعنف الموجه ضد الأطفال ، وبقضية استغلالهم وانحرافهم . كما ارتبطت بتسرب الأطفال من المدرسة، وبانخفاض مستوياتهم التعليمية .
فنحن جزء من هذا العالم المضطرب، ولكننا لا زلنا في مرحلة أقل خطورة من تلك التي وصلت لها مستويات ظاهرة تعاطي الكحول والمخدرات في بعض المجتمعات. وهذا ما يجعل وضع الطفل لدينا بشكل عام أفضل من واقع المجتمعات الأكثر تفككا أسريا.
تشير مسوح الدراسات العالمية ، المهتمة بقياس قابلية تعاطي المخدرات على المستوى العالمي ، إلى أن الأطفال (17 سنة فأقل) يتعرضون أحيانا إلى أنماط من العنف ، أو الإهمال والإساءة الجسدية، مما يؤدي إلى إعاقة نموهم وحرمانهم من العيش في بيئة مستقرة وأمانة. فالأطفال المحتاجون إلى حماية، هم الأطفال المحرومون من الرعاية الأسرية ، والمخالفون للقانون ، والمدمنون على المخدرات والمؤثرات العقلية، والأطفال العاملون ، والأطفال المساء إليهم في النزاعات المسلحة...
إن تورط الأطفال عالميا ومحليا في تعاطي المخدرات هو قليل نسبيا، إذ لا تشير الإحصائيات إلى طفل قبض عليه بسبب تعاطي المخدرات أو التورط في بيعها أو ترويجها أو حيازتها وهو أقل من 15 سنة. ولكن هناك نسبة لا تتجاوز 4% من المضبوطين بسبب تعاطي المخدرات تتراوح أعمارهم بين 15و 17 سنة. غالبيتهم يحالون إلى دور إصلاح الأطفال. كما لا تسجل بحقهم سوابق جنائية لكي لا تعيق عملية حصولهم على فرص تعليم وعمل .
ظاهرة المخدرات وعوامل الخطورة التي تحيط بالطفل
تشير المراجعات العملية المعاصرة ، إلى مجموعة كبيرة من عوامل الخطر المبكرة التي تحيط بالطفل في مراحل نموه الأولية، والتي تدفع بأفراد المجتمع لاحقا إلى تعاطي المخدرات والمستنشقات والمخدرات الطبية والمسكرات.
إن الأطفال الذين يعيشون حالة من عدم الضبط والتربية المتوازنة، أو يعيشون حالة من ممارسة التسكع، والتورط في قضايا وجنح أمنية وأخلاقية، ويتعرضون إلى الإهمال في الدراسة أو الانسحاب المبكر منها، والإجرام والعنف في سن مبكرة، والانتماء لأسر يوجد بها أباء يتعاطون المخدرات أو إخوة ، أو يوجد بها أشخاص يعانون من علة الاكتئاب. هم أكثر عرضة لتعاطي المخدرات ولاستغلالهم في تجارة المخدرات.
بات يلحظ عالميا أن هناك تزايد منذ 30 سنة خلت لتعاطي المخدرات بوجه عام بين صغار السن حول العالم. إذ يبدؤون في سن مبكرة، تتراوح ما بين سن 13 و17 سنة، بتعاطي أنواع مختلفة من المخدرات، تتضمن الحشيش والإمفيتامين والكوكايين والهيروين وغيرها. الأمر الذي يترتب عليه آثار صحية مبكرة تهدد صحة الأطفال ، وتعيق نموهم الاجتماعي وفاعليتهم في المجتمع. وتتجلى هذه المخاطر الصحية في ظهور الاعتماد الجسدي على المخدر ، والإصابة بمرض أدمنة المخدرات، وطلب الجسد لمزيد من الجرعات، ويصل الأمر إلى حد الموت ، هذا فضلا عن الآثار السلوكية والمدرسية والأسرية والمهنية والاجتماعية والاقتصادية والجنائية.
أ - كيف يحدث قرار تعاطي المؤثرات العقلية لدى الأطفال وصغار الشباب؟
أثبتت الدراسات العلمية المختلفة ، أن من أخطر السلوكيات وأخطر القرارات في حياة الشخص، أن يقدم على تعاطي المخدرات والمواد الأخرى ذات صفة التأثير العقلي وقابلية الإدمان على تعاطيها. وتزيد المسألة تعقيداً فيما لو اتخذ قرار التعاطي في سن مبكرة لا زال العقل ينمو فيها. إذ إن تعاطي المخدرات والمسكرات، بصفتها مواد كيميائية شديدة السمية على الجهاز العصبي وخاصة المخ، تعمل بشكل خطير على تغيير تركيبة الخلايا الدماغية، وتحدث أثاراً فادحة في وظائف المخ. وحينما يتعرض الشخص لتعاطي المخدرات في مرحلة لا يزال المخ فيها ينمو، فإن المخاطر تكون أعلى والتغيرات تكون أكبر وأخطر.
وهو ما يهدد الصغار مباشرة بإصابتهم بأمراض عقلية مختلفة وخطيرة تنعكس على السلوك والتصرف والأهلية .
أثبتت الأبحاث الطبية، أن من أهم مناطق المخ التي لا تزال تنضج خلال مرحلة المراهقة، هي المنطقة الأمامية من الدماغ. وهو الجزء الذي يمكّننا من تقييم الأوضاع ، واتخاذ القرارات السليمة ،كما يساعدنا في الحفاظ على مشاعرنا والسيطرة على رغباتنا. وهذه المنطقة تبدأ في النمو منذ قرابة العاشرة من العمر. فهذا الجزء الهام من المخ لا يزال يتطور لدى المراهقين، مما يضعهم في خطر متزايد لاتخاذ قرارات ضعيفة (مثل محاولة استخدام المخدرات أو الاستمرار في تعاطيها). وبهذا فإن التعرف على المخدرات وتعاطيها في مرحلة نمو الدماغ قد يترتب عليه عواقب وخيمة وطويلة أمد.
ان خطر تعاطي المخدرات وبقية المؤثرات العقلية على الأطفال وصغار الشباب، يزيد بشكل أكبر خلال فترات التحول والانتقال، مثل: تغيير المدارس والانتقال أو الطلاق. ، فعندما ينتقل الأطفال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة، يواجهون مواقف دراسية واجتماعية جديدة ، تشكل لهم حالة من التحدي. في هذه الفترة قد يتعرض الأطفال ولأول مرة، إلى تعاطي مواد تؤدي للإدمان مثل السجائر وغيرها.
وعندما يدخلون المرحلة الثانوية، يسمعون وربما يجدون توفر المخدرات والمسكرات وتعاطيها من قبل المراهقين الأكبر سنا، ووجود مناشط اجتماعية قد تستخدم فيها المخدرات ويشاهد فيها تعاطي المسكرات، مثل السفر الخارجي ومشاهدة الأفلام بشكل منتظم، أو سماعهم ورؤيتهم لهذا في محيطهم الجواري، تعمل بشكل خطير على تشكيل قابلية التعاطي لدى الصغار وهو ما يجعلهم مستعدين للتعاطي ولديهم قابلية لاتخاذ قرار التعاطي في مرحلة المراهقة.
في الوقت نفسه، هناك العديد من التصرفات التي هي جزء طبيعي من نمو الأطفال وتحولهم نحو المراهقة، مثل الرغبة في القيام بشيء جديد ، وقد يحمل في جانبه بعض الخطورة، وهذه مسألة قد تزيد من نزعة المراهق لتجريب المخدرات. بعض المراهقين قد يستسلم للتعاطي بناءً على إلحاح أصدقاء يتعاطون المخدرات يدعونه لمشاركتهم خبرة المخدر. وآخرون قد يعتقدون أن تعاطي مخدرات (مثل الممنوعات المقوية) تحسن بنيتهم أو أدائهم الرياضي. أو قد يتعاطون مواداً مثل الكحول أو بعض المنشطات، ظناً منهم أنها تريحهم من حدة الحرج في المواقف الاجتماعية.
التعاطي ومرض إدمان المخدرات:
أظهر علم الإدمان الحديث اكتشافات علمية مثبتة عبر الأبحاث المخبرية الطبية. بها تم التوصل إلى أن الإدمان مرض عضال يصيب المخ وبسرعة مذهلة، ويتصف بالتردد المزمن، والذي ينتج عن الاستخدام المبكر للمخدرات والمؤثرات العقلية في الغالب. يشخص بإلزامية السعي القهري للحصول على المخدر واستعماله ، على الرغم من معرفة آثاره الضارة. وإدمان المخدرات هو مرض عقلي، لأن المخدرات تغير تركيبة المخ والطريقة التي يعمل بها. هذه التغييرات تستطيع أن تمتد لأمد طويل حتى بعد ترك المخدر، وتستطيع أن تقود إلى سلوكيات ضارة وخطيرة جدا يمكن رؤيتها على من يتعاطون المخدرات.
إن القرار الأول لتناول تعاطي المخدرات في الغالب ، يتم بشكل طوعي ولكنه غير واع. ويحدث التعاطي لدى بعض الأطفال، بسبب إجبار من قبل فتية كبار ، أو مسايرة وخداع ولأغراض جنسية قد يتم إجبار الأطفال على تعاطي المخدرات. ومع الوقت، يصبح تعاطي المخدرات خارج عن قدرة الشخص، إذ تتولى المخدرات السيطرة على قرارات الفرد بشكل خطير، وتتحكم بشكل مذهل في توجهات الأطفال وصغار الشباب.
التعاطي والآثار المترتبة على الطفل والأسرة:
إن آثار المخدرات لا تقتصر على الجانب الصحي والسلوكي للفرد المتعاطي، فهي تطال بالمرض والفقر والتفكك والجريمة الفرد وأسرته. كما تتشكل شخصيات الأطفال بشكل مضطرب، فالسمات الانفعالية والمزاجية للمتعاطي تبدأ بالتغير. فالآباء المتعاطون للمخدرات يتسببون في حدوث المشكلات لأطفالهم ولأسرهم ، ويتسببون في انحرافهم، مما يشكل نظرة سلبية لديهم عن ذواتهم وعن آبائهم.
عوامل الخطر التي تهدد سلامة الطفل :
أثبتت الأبحاث المتخصصة في هذا المجال، أنه كلما زاد تعرض الطفل لعوامل خطر محددة وفقا لخصائص عيشه وشخصيته، كلما زاد احتمال تهيئته لقابلية تعاطي المخدرات مستقبلا أو في القريب العاجل. وهو ما يؤدي بالأطفال في مراحل مستقبلية إلى استعمال المخدرات والاستمرار في تعاطيها ومن ثم إدمانها . فالطفل لا يولد بطبيعته مجرما ولا منحرفا، وفي الغالب تساعده الظروف المحيطة على ممارسة السلوكيات المرغوبة أو الجنوح نحو السلوكيات المنحرفة والخطرة، والتي منها تعاطي المخدرات والمسكرات، كما أنها هي من يشكل شخصية الطفل مستقبلا وقيمه وانفعالاته وتفاعلاته ورصيد خبرته وميوله، وتسهل له سبيل الانحراف.
عوامل الخطر العائدة للأسرة:
إن الصراعات الأسرية ، وضعف الإدارة الأسرية ، وافتقار الوالدين لمهارات التعامل الفاعلة مع الأبناء، جميعها دلالات قوية على إمكانية تعاطي الأبناء للمخدرات والمؤثرات العقلية ، فضلا عن الانحراف بشكل عام. فتأثير البيئة المنزلية عادة ما يكون الأكثر أهمية في مرحلة الطفولة. وتعاطي الآباء والأمهات وكبار السن في الأسرة للكحول أو المخدرات، أو تورطهم في قضايا جنائية، جميعها مسائل تزيد من مخاطر تورط الأطفال فيما بعد في مشاكل المخدرات. كما أنها تجعلهم عرضة للعنف الأسري وإلى نمو الشخصية المضطربة.
عوامل الخطر العائدة للرفاق
تأثير الرفاق من أهم العوامل الفاعلة في تشكيل وتنمية احتمالات التصرف الخطيرة، المؤدية إلى استغلال الأطفال جنسيا في الأحياء الموبوءة بالمخدرات، كما تعرضهم للاستغلال لنقل وبيع المخدرات وترويجها. فالرفاق الذين لديهم اتجاهات وسلوكيات تدعم استخدام المخدرات والمؤثرات العقلية يساهمون في تشكيل البيئة الخطرة لدى الطفل ، الدافعة لاستغلاله وإلى تعاطي المخدرات.
وقاية الأطفال من الوقوع ضحايا المخدرات
1- تثقيف الوالدين والأسر بأصول التنشئة والتربية السليمة الواقية من تعاطي المخدرات.
2- تنشئة الأبناء تنشئة متوافقة مع متطلبات التنمية، تدعم عوامل حماية النشء من تعاطي المخدرات، وتقيهم الوقوع في عوامل الخطر التي تجعلهم معرضين لتعاطي المخدرات.
3- احتواء المشكلات العامة التي تحيط بالأفراد والأسرة ومعالجتها، والتي قد تؤدي إلى وقوع الفرد في تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية.
4- احتواء السلوكيات الجانحة لدى الأفراد ومعالجتها .
5- الاحتواء المبكر للفرد المتعاطي.
6- احمِ أبنائك ، اجعل سلامتهم هي قمة أولوياتك .
7- ثقفهم، عاونهم، كافئهم على النجاح، لا تحاول أن تحبطهم في الفشل
8- ضع لهم حدوداً يتحركون فيها وعلمهم تحمل المسؤولية
9.عانقهم، لامسهم، أظهر ابتسامة الحب كل يوم بوضوح.
10.قل لابنك كلمة { أنا أحبك } على الأقل مرة في اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق